لا أعلم ما الذي أصابني .. أشعر بالتوهان .. كنت فتاة عادية كأي فتاة في زماني .. أتحدث بلغة زماني وأرتدي ثيابهم وأعتنق أفكارهم ..
فتاة عادية جداً .. لا تلفت النظر بأي شكل لأنها تشبه المئلت بل الالاف من بنات جنسها .. لم يكن لديّ أخوة لكن كان لديّ صديقة بمثابة أخت ليّ .. لم نكن نفترق .. دوماً تجدنا معاً .. إلى أن بدأت فجأة تبتعد عني .. لم تعد تخرج معي كالسابق .. ودوماً تجد العذر لئلا ترافقني لأي مناسبة دعينا لها ..
ذهبت إليها يوماً فوجدت لديها فتاة ترتدي الزي الإسلامي الكامل (النقاب) .. لم تعجبني ..
ويبدو أنني أيضاً لم أروق لها فقد بدا ذلك واضحاً في عينيها وطريقة سلامها ونظرتها ليّ .. لقد شعرت أنها تريد قتلي ..!!
ثم خروجها المسرع .. لم أعر الأمر إهتمام ..
كنت عادية جداً وأنا أخبر صديقتي بكل إعدادات عيد ميلاد صديقة لنا والتي لم تحضرها متعذرة كعادتها أخيراً..
وبأنه لابد أن تأتي لعيد الميلاد .. إلا أنها فجأة انهارت وبكت .. حقاً تعجبت ..!!
مالذي قلته أبكاها ..؟!..
كنت أخبرها عن حفل عيد الميلاد .. هل حفل الميلاد يدعو للبكاء ..؟!..
حاولت تهدئتها ومعرفة سبب البكاء المحير .. فقالت أنها خائفة ..!!
سألتها عن السبب .. فقالت تخاف أن تدخل النار جراء ماترتكبه من معصيات كبيرة ..
بهت .. معصيات كبيرة ..؟؟!!..
وتسائلت عن المعصيات التي ترتكبها .. فأجابت : كل شيء في حياتي .. الحفلات .. السهر .. الخروج .. الأصدقاء .. الكلمات .. الملابس .. الأفكار .. كل شيء بإختصار ..!!
هل يعقل ..!!؟
هل يعقل أن كل ماتفعله وتقوله في حياتها حرام .. ومعصية ..؟!..
حاولت إفهامها أن الأمر ليس بهذا التعقيد .. إلا أنها نظرت إليّ بغرابة وقالت : أنتِ تقولين ذلك لأنك غافلة ..!!
نظرت إليها .. هل حقاً أنا كذلك ..؟!..
لم أرد الخوض كثيراً في هذا الحديث .. فطالبتها بالحضور .. رفضت .. إلا أني أصررت واستحلفتها بصداقتنا وأعز ماتملك حتى وافقت على المجيء ..
كانت في الحفل كالتائهة وعيونها زائغة .. لم تحادث الزملاء .. ولم تضحك مع الزميلات ..
أخرجتها من جو الحفل بالصالة ووقفنا نراقب السيارات المارة أمامنا في الشارع .. تنفست بعمق وقالت أنها تفكر بالإلتزام والحجاب والتقرب أكثر من الله عز وجل ..
نظرت إليها مبتسمة وقلت أنه خبر جميل ودعوت أن يهديني الله مثلها للإلتزام أكثر .. ابتسمت بإرتياح .. أسعدتني كثيراً إبتسامتها فقد كدت أنساها ..
بدأنا بالسير .. وركبنا السيارة للعودة للمنزل كما رغبت .. وبدأت تخبرني عما تفكر فيه .. قطع علاقتها بالزملاء .. الإلتزام بالزي الشرعي الكامل (النقاب) .. رغبتها في الدعوة للإسلام ..
وفجأة غابت الرؤية من أمامي ..
وحين فتحت عيني .. وجدتني في مكان غريب .. رويداً رويداً .. عرفت أنه المشفى ..
كل من حولي امتزجت لديهم دموع الفرح والألم .. الصراخ والضحك .. فقد استفقت بعد شهرين من الغيبوبة .. بعد أن فقدوا الأمل بعودتي للحياة من جديد ..
عرفت أني تعرضت لحادث بليغ قبل شهرين .. لكن الصدمة كانت حين علمت أن صديقتي .. التي هي أكثر من شقيقتي .. لقيت مصرعها في ذلك الحادث .. والأدهى أنه كان بسببي .. لمت نفسي كثيراً ..
لم أنا على قيد الحياة وهي لا ..؟!
أنا من أصر على الحضور وليس هي ..!!
كان يجب أن أكون مكانها ..!
أصبت بإضطراب نفسي ولم أشأ الخروج ..
لم تعد لديّ رغبة الحياة والإستمتاع ..
بدأت أتبع خطواتها التي كانت ترددها قبل وفاتها .. أردت الإلتزام .. بدأت بالصلاة .. لم أكن منتظمة في أدائها وصرت أؤديها في ميقاتها ..
لم أرتدي النقاب لكني تحجبت .. لم أقطع علاقتي بالزملاء لكني وضعت لها حدود ..
أردت أن أستمتع بحياتي وأن أحيا بديني كما كانت تريد ..
أردت المزج بين الدين والدنيا .. ووجدت الكثير من الدعاة والمذاهب والأئمة وعلماء المسلمين يؤيدون ذلك .. بل ويحثون عليه ..
إلا أني قوبلت بالتعنيف الشديد من أولئك المتزمتين إلى الدرجة التي نعتوني فيها بالكافرة والمحرفة لدين الله..!!
وبدأ الصراع الحاد في نفسي .. هل أنا حقاً كذلك ..؟؟!!..
أليس أولئك علماء في الدين معترف بهم وفقهاء وأئمة ثقة الذين اتبعتهم ..؟!
وبالمقابل أليس الذين كفروني هم كذلك ..؟!
فأي الفريقين أجدر بأن أتبع ..؟!.. وأيهم على حق ..؟!
أنا خائفة حقاً ..
خائفة أن أفعل وبغفلة مني معصية أعاقب عليها ..
حتى أني بت أفكر أنه ما كان عليّ أن أتبع حدسي واتجه نحو الألتزام والتدين .. وأن أطرد صوت صديقتي الحبيبة من رأسي وفكري ..
وأنه الأجدر بي أن أحيا هكذا .. كما كانت تقول .. غافلة .. على أن أحشر نفسي في دوامة الدين التي تدير العقل وترهب القلب وتترك النفس في توهان ..!!
************************************************** *********
كثيراً ما أجدني عاجزة ليس أنا فقط بل والكثيرين غيري يجدون أنفسهم عاجزين إبان الكثير من الأمور الحياتية والقضايا الإجتماعية خصوصاً حين يتعلق الأمر بالدين ..
فكثير منا بات لا يعرف ماهو الصواب وأين الحلال ..؟؟!!
فهذا العالم والشيخ يحلل مايحرم ذاك العالم والشيخ ..!!
تدرج الأحكام من الرحمة كما قال سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم فيما معناه ( إن كان هناك حكمين لأمر واحد لاخترت أيسرهما ) ..
لكن مايحدث ويثير البلبلة هو التناقض .. هو تحريم وتحليل الأمر عينه ..
من أين لنا الجواب الشافي لكل الأزمات في القضايا الدينية ..
كتب كثيرة ومشايخ أكثر .. أراء كثيرة وفتاوي أكثر .. وكل يدعي أنه على صواب .. وأن غيره مخطئ وربما كافر ..!!
هناك خلط في المفاهيم .. فكثير من حياتنا لا نعرف أين مصدره .. قد نتوهمه واجب أو نهي ديني ويكون فرض إجتماعي نتاج العادات والتقاليد .. وقد يكون العكس ..
فنحن للأسف نعاني من ضعف وقصور في الإدراك ..
ذلك التذبذب الذي يحيا فيه الشباب الذي يرغب في التقرب إلى الله من خلال إمتثال أوامره والبعد عن نواهيه يجعله في دوامة .. فمن يصدق ومن يكذب .. فذلك عالم في الدين والآخر أيضاً .. فأيهما يصدق ..؟!
نتج عن ذلك أمران .. أولهما الغلو والتطرف .. وثانيهما التخفف واللاميالاة ..
الأول صار متطرفاً يغالي في تعاليم الدين حسب المفهوم الذي يعتنقه .. فبات يكفر المسلمين ويقيم عليهم الحد على حد زعمه بما يخيل إليه ..
والثاني لم يعد للأمر أهمية لديه ولم يعد يشكل فارقاً عنده .. فصار لامبالي يعبث بالدين كيفما شاء وشاء له هواه ..
والإثنان لسان حالهما يردد إنما الأعمال بالنيات .. يأخذان العبارة بمفهوم ضيق .. ضيق جداً ..
ونسي الإثنان أن دين الإسلام هو دين وسط ..!!